رحلتي إلى آلاسكا - ٧

 


وصلت في الليلة السابقة إلى حين التفت الدب الضخم إلينا ثم عاد إلى حاله في التأمل في الأشياء بلا عبث. فتركنا الهياط وبحثنا عن طريق آخر. 

 في المنطقة شلال منخفض  تلتقي عنده أسماك السلمون في هذا الوقت من السنة وتتقافز بطريقة عجيبة أمام التقاء الشلال بماء النهر. ولسمك السلمون قدرة عجيبة على الترحل لمسافات تصل إلى ٣٠٠٠ ميل. فهي تنشأ في المياه العذبة ثم ترحل إلى المحيط فتعيش فيه حتى تقترب من الموت فتعود إلى البحيرات التي خرجت منها وتبيض ثم تموت. وهذا المكان هو الذي حدثني عنه الفهيد رضي الله عنه. وللسلمون هنا سوق رائجة. وبعض الشركات تأخذك في رحلة للصيد، فتعلمك الصيد، ثم تصيد ما شاء الله أن تصيد، وبعد أن تجمع حصتك، تشحنها لك إلى منزلك حيث كنت في أمريكا إذا أردت. 


 تقصد الدببة هذه البقعة فتجلس على حافة الشلال فتلتقط ما تستطيع أن تلتقط من هذا الصيد الثمين. وصلنا هناك في اللحظة التي ألتقط دب ضخم سمكة سلمون وبدأ يلتهمها بكل حنان دون مبالاة بنا وكأننا لسنا في الجوار. لم أبحث لأفهم تصرف الدببة بهذه الغرابة لكنها تتعامل بغفلة تامة عنا. حضر للمشهد دب جديد من بين الأشجار واقترب من الدب القابع أمامنا ثم بدأ صراع ناعم تحول إلى اشتباك لمدة لا تقل عن عشر دقائق. كان الصراع كما قالت أحدى العاملات في المكان لعبا وعبثا. والدببة تفعل ذلك دائما. وهذان الدبان غالبا هم أخوان اختارا البقاء سوية بعد أن قررت الأم تركهما لمواجهة الحياة. 




في الصورة الأولى: الدبان في بداية الصراع "لاحظ الدب الثاني في زواية الصورة العليا يسارا". 
 الصورة الثانية: دب آخر يتغدى سمكة

قضينا سبع ساعات في المكان نتنقل من مكان إلى آخر أنا ورفيق الرحلة. ويبدو أن رفيقي يشاركني نفس الطبع فهو لم يأكل شيئا منذ قدمنا إلى هذا المكان فقررنا العودة. فأكل هو سنيكرس وأكلت كيسا من الكاجو. ثم بقينا حول المكان استعداد للعودة. 


توضأت من هذه البحيرة الممتدة التي تدعوك إلى تأمل كيف ستكون الجنات - اسأل الله الجنة لي ولكم وكل من نحب-. وجلست على الحافة انتظارا لرحلة العودة بعد نصف ساعة. وهذه الرحلة ستكون على طائرة عائمة تأخذنا إلى منطقة أخرى في المنتصف لتأخذنا طائرة صغيرة  أكبر من العائمة إلى مدينة أنكوريج مرة أخرى. 


هل تعرف صوت الشاص ٨٤ عندما يكون الكربيتر مليء بالرمل؟


 لمن لا يعرف الشاص هو سيارة صلبة من انتاج شركة تايوتا وكانت لها نسخة غاية الصلابة وهي السيارة المعتمدة في جبالنا في الجنوب لصلابتها وقوة عزمها. والكربيتير هو جزء من السيارة يمر عبره الوقود لتسير السيارة كما يجب أن تسير. من يعرف الشاص سوف يعرف تماما ما أعني. 

جاءت الطائرة العائمة التي ستأخذنا إلى المحطة الأولى فكان صوتها كالشاص تماما دون مبالغة ولدي تسجيل مصور لمن يريد الاثبات. قائدها في نهاية الستينات من عمره. وأظن أن الطائرة أكبر منه سنا. سعة الطائرة (٤ ركاب) أحدهم سيكون بجوار الطيار. وكان حظي المقعد الأخير الذي جلست عليه متربعا. وسائل السلامة في هذه الطائرة شبة معدومة. الطيار لم يربط الحزام. أنا لا أدري أين الحزام. ستر النجاة مجمعة تحت مقعد الراكب الذي أمامي. نظرنا الأربعة في بعض وانفجرنا بالضحك. لأنه بقدر ما كانت بداية الرحلة مفزعة ، كانت تدعو للضحك والسخرية من هذا الشي العجيب. قال أحدهم أنه ممرض وقلت لهم أنني طبيب وكأن هذا سيمنعنا من شيء ما لم يحفظنا الله بحفظه. لم يتمكن الطيار من اغلاق الباب إلا بعد عدة محاولات وقد تركه مفتوحا لفترة ونحن نعوم على الماء حتى ظننت أنه ينوي تركه مفتوحا طيلة الرحلة، لكن يسر الله له فانغلق الباب قبل الاقلاع بلحظات. كان سائق الشاص أو الطائر يمازحنا فيقول إنه لم يقد طائرة من سنوات طويلة وأنه سيجرب هذه المرة. كان يقول كذلك إن الطائرة ليس فيها ما يكفي من الوقود لكن سيحاول الاقتصاد. وصل الشاص الطائر بأمان بعد نصف ساعة تقريبا. 




صورة للشاص وسائق الشاص والمنظر من الطائرة .. 



صورة للغابات والبحيرات الممتدة من نافذة الشاص 



سمعت أحدهم يتحدث بعد أن وصلنا للمحطة الأولى عن حادث طائرة مماثلة لطائرتنا قبل عدة أشهر فمات كل من عليها ولم يتمكن الإنقاذ من الوصول إليهم حتى هذه اللحظة لوعورة المكان واستحالة الوصول إليه. رواية القصة كانت في توقيت غير مناسب لأنني على وشك ركوب الطائرة الصغيرة التالية وإن كانت لا تقارن بالشاص الذي نجوت من قبل لحظات.   

عدنا إلى أنكوريج  بعد ١٢ ساعة من الانفصال عن العالم. وما إن وصلت حتى رن جوالي برقم صاحبنا السعودي الجميل. 


٨ محرم ١٤٤٢ هـ


تعليقات

ضع بريدك هنا ليصلك ما ينشر في هذه المدونة من وقت لآخر..

* indicates required

الأكثر قراءة