صديقي الذي لم يعد يعرف شيئا ..



رأيته صدفة وهو يتسكع في مساء دافيء، كنت على عجل لكنني وقفت وحييته فشعرت وأنا أنظر إلى عينيه أنه عالق يبحث عن خلاص .. اطفأت كل محفزات العجلة داخلي وجاريته في تسكعه الذي بدا بلا هدف وبلا نهاية. أذكر أنه قال لي بعد أن تحدثنا في أشياء كثيرة :
الجميع مدرك بأننا نعاني من مشكلة كبيرة وعميقة جدا، وربما بادر كل واحد منا بطرح الحل الذي لا يتجاوز أن يكون حلال سخيفا للجانب الذي يمكن له أن يراه. مشكلة الواقع أو ما نسميه واقعا أنه هلامي جدا وعصي،كل من ظن أن يمسك به لا يدرك أن يمسك بجزء صغير وجد نفسه قريبا منه أو ظن نفسه كذلك.

هو يعلم أنني أشاركه هذه النظرة وأن مِن أكره ما أكره سماع الأحكام العامة التي تطلق بلا تردد ولا هيبة ولا خجل، لكنني بقيت أمارس دور النابش للمتلجلج الخافي بين جنبيه فسألته وما الذي يمكننا فعله؟

كعادته عندما يفكر ويحاول تفكيك المتشابكات في ذهنه بدأ يتعلثم. ثم انطلق :”منذ فترة ليست قصيرة أعترف أنني لم أعد أبصر شيئا، حتى الجزء الذي كنت أزعم أنني كنت أمسك به من هذا الواقع الهلامي لم يعد لدي القدرة على تبينه وإدراكه، لم يعد في يدي شيء منه. هناك تيار أو لأقل تسونامي أكبر منا جميعا، أكبر من قدرتنا على فعل شيء، لا يأذن لك حتى بالتفكير والتأمل، ومشكلته كذلك أنه صامت وناعم لدرجة أنك لا تدري أنك الآن في هذه اللحظة ضحية من ضحاياه وأنه قد ابتلعك من زمن!
تحاول المقاومة والسباحة خارجه ؟!
سيمنحك مسابح كبيرة وجميلة وشواطيء مفتوحة داخل جوفه الكبير ويمنحك كامل الحرية أن تسبح كما تشاء. طبعا كما تشاء لكن دون أن تتجاوز هذه الشواطيء التي صنعها لك.

صاحبي يتحدث والشاطيء الكبير أمامنا وبدأت أتخيل نفسي قافزا نحوه بكل مرونة كدولفين ناعم، ربما كنت سأهم بالقفز لولا ذكرياتي السيئة مع السباحة وخوفي منها منذ أن دفعني المدرب في حوض عمقه خمسة أمتار. صاحبي ما زال يتفلسف ومخاوفي بدأت تزداد من هذا البحر الممتد أمامي ودون أدنى لباقة قلت له وهو ما زال منطلقا في حديثه : يا ولد قم .. خلنا ندور شاهي.

تعليقات

ضع بريدك هنا ليصلك ما ينشر في هذه المدونة من وقت لآخر..

* indicates required

الأكثر قراءة