وكان ممن لا يصفو اللقاء إلا به


عرفت أناسا بقلوب أصفى من الماء وألطف من النسيم، بأرواح منطلقة وأنفس مرحة باشّة. كانوا أنسا للخليل المستوحش، وطمأنينة للصديق المفزوع، ومقصد المصاب والحائر. دمعاتهم حاضرة لا يحجزها شيء، يطربهم البيت الشارد، وتحركهم الكلمة العابرة وتهزهم المأساة.. أمينين مأمونين. فبقيت أشتاق للقاء بعضهم شوق الظاميء، أطالب الأيام أن تنطوي فاختلس من الزمن ساعة أنس، وأرجو المشاغل أن تهدأ فاسترق ساعة من الهدوء.  ثم لقيته فإذا الوجه غير الوجه وإذا الهموم غير الهموم.. وغابت الابتسامة المشرقة وعلا الوجه شحوب لا يمكن أن تخطئه العين، وقادتنا الأحاديث إلى أن عرفت إنسانا غير ذلك الذي كنت أعرف، وأخلاقا غير الأخلاق.. وقد كنت أطالب الأيام أن تنطوي حتى أظفر بهذه الساعة فصرت أتوسل الدقائق أن تمر ليزول عني ثقل هذا اللقاء. وذكرني بهذا مقالا لعبدالوهاب مطاوع يروي عن صديقه الذي كان يقضي معه الليالي يقرآن الأدب والشعر، فيتقطع قلب هذا الصديق الرهيف، ثم أخذتهما الدنيا كل مأخذ ثم تلاقيا بعد سنين فإذا الصديق قد صار تاجرا جشعا لا يرحم، وكان من جشعه أن سرق إرث زوجته اليتيمة وعبث به، ثم تشاكي هو وأخو زوجته في المحاكم .. 
والحياة أحيانا قد تقسو على الإنسان فيستحيل حجرا صلدا كل همه نفسه وأن يصل إلى ما يريد، لأنها أوهمته أن الأخلاق والقلوب الرهيفة لا تصلح لشيء. نسأل الله السلامة من هذا. 


تعليقات

ضع بريدك هنا ليصلك ما ينشر في هذه المدونة من وقت لآخر..

* indicates required

الأكثر قراءة