لماذا يريد % 18.7 من المبتعثين البقاء في أمريكا ؟


يجب أن نعترف أن هذا المحيط الذي نعيشه والتجارب التي نخوضها بكل ما فيها من مواقف وأحداث وأشخاص ليست هي “ الواقع “ ، فالواقع هو أمر مختلف تماما وعصي على الإدراك والفهم. وأسهل شيء على الإنسان أن يتكيء على “أريكته” ويبدأ في وصف الأشياء وتفسير الظواهر وربما يكون الشخص أكثر ثقة فيجزم بنسب وإحصاءات. وقبل أيام كان أحد الأصدقاء يسخر مني لأنني كما يظن أحجر على رأيه حين أطالبه أن يتريث قليلا قبل أن يطلق أحكامه العظيمة على الأشياء والظواهر، وأنا في الحقيقة لا أحجر على رأيه بل لا أعتبر رأيه في الحكم على الواقع رأيا من الأساس ، ولعله يقرأ الآن هذه الكلمات فيزداد غيظا على غيظ - أقول هذا مازحا -. 
من الأسئلة التي كانت تطرأ على ذهني دائما وربما سألت من أقابل من الأصدقاء والزملاء: هل تفكر في الاستقرار في أمريكا بعد الانتهاء من الدراسة؟. وكنت أطلب من الأصدقاء جوابا قاطعا : نعم أو لا ثم بعدها سيطول الحديث ويمتد على هامش هذا السؤال، وعلى هامش هذا السؤال كذلك تظهر التوقعات حول نسبة المبتعثين الذين ستكون إجابتهم نعم والعكس، وكما هو العقل البشري مغرور ومكابر تظهر التوقعات أحيانا في نفس المجلس على طرفي نقيض فمن يقول أنَ “ نعم “ ستكون غالبة يدعم رأيه بأدلة وبراهين لا تعدو أن تكون سواليف وحكايا لو قيست بمقياس علمي وعقلي صحيح والعكس كذلك. وهذا بسبب أثر رأي الشخص ذاته أو أثر تجاربه عليه التي يظنها كبيرة أو علاقاته التي يظنها واسعة وبسبب طريقة الشخص في التعامل مع المعطيات وتحليلها.
لهذا السبب قمت بإجراء استطلاع سريع وقصير من سؤال واحد فقط ونشرته في مجموعات المبتعثين وأرسلته لعدد كبير من الأصدقاء وكان السؤال : هل تفكر في البقاء في أمريكا بشكل دائم؟. والجواب نعم أو لا. دون أي تفاصيل أخرى. والحقيقة أنني تعمدت أن يكون الاستطلاع قصير جدا لتسهل الإجابة، ولضعف أدواتي في البحث العلمي. وكانت النتيجة كالتالي : 
Image title

عدد المشاركين - حتى اللحظة - :
(١٣٩)
نعم :
18.7 %
26 من المشاركين
لا : 
81.3 %
113 من المشاركين
العجيب أن هذه النتيجة اعتبرها بعض الأصدقاء صادمة! .. لكن بتفسيرين مختلفين، أصدقائي الذين يرون أن من المستحيل أن يفكر “ العاقل “ في الاستقرار في أمريكا يرون أن رقم 18.7 ٪ كبير جدا، والأصدقاء الذين يرون أن الاستقرار في أمريكا خيار جيد ومنطقي يرون أن هناك خطأ ما! . وأكثر الأصدقاء شكا في صحة هذا الاستطلاع السريع ودقته هم الأصدقاء من نيجيريا وإيران والهند وباكستان، وربما بقليل من التأمل قد يتبين للقاريء سبب هذه الصدمة. 
في دراسة بعنوان : هل سيبقون أم سيرحلون؟ الطلاب في أمريكا وقرار الاستقرار في أمريكا بعد التخرج(١). وهي دراسة أجريت على عدد طلاب من جنسيات مختلفة وكانت نسبة من يريد البقاء في أمريكا 78 % من الطلاب، وغالب من يريد البقاء هو بسبب زيادة الفرص الوظيفية وجودة الحياة الأمريكية مقارنة بدولهم التي قدموا منها. في المقابل الذين اختاروا العودة في هذه الدراسة فلأسباب عدة أولها الرغبة في القرب من العائلة والأصدقاء ولأسباب ثقافية واجتماعية.
دراسة أخرى بعنوان : معدل الاستقرار للحاصلين على شهادة الدكتوراة من أمريكا (٢). والذي يهمني من هذه الدراسة أنها أشارت إلى أن السعوديين هم أقل العينة استقرارا في أمريكا بعد الحصول على الدكتوراة وكانت النسبة 5% من عام 2005 إلى عام 2009. والاستقرار في هذه الدراسة لا يعني البقاء بشكل دائم أو مجرد التفكير في الاستقرار في أمريكا بل يعني البقاء في أمريكا بعد الحصول على شهادة الدكتوراة بغض النظر عن طبيعة هذا البقاء. ومن الأمور التي تستدعي الملاحظة في هذه الدراسة أن النساء أكثر ميلا للبقاء في أمريكا من الرجال ، وهذا بشكل عام في كل عينات الدراسة ولم يتم تحديد دولة معينة. 
والتفاوت في الميل للبقاء في أمريكا بين الطلاب من جنسيات مختلفة يُفسر تفسيرات مختلفة منها الوضع السياسي للدولة وكذلك العادات الثقافية  وأحد أبرز الأمثلة هو زيادة عدد الطلاب الصينين الذين يعودون إلى بلدهم كل سنة في السنوات الأخيرة بسبب النمو الاقتصادي في الصين وارتفع الرقم من 5000 في عام 2000م إلى 69000 في عام 2008 م (٣).  
طيب نأتي للسؤال :
لماذا يريد % 18.7 من المبتعثين البقاء في أمريكا ؟ 
صيغة هذا السؤال تقودني للحديث عن الخداع الذي يمارسه الإعلام علينا كل يوم وسأمثل على هذا الخداع بالعبارات التالية:
  1. حوالي 20 % من السعوديين المبتعثين يفكرون في الاستقرار الدائم في أمريكا.
  2. أكثر من 80% من السعوديين المبتعثين لا يفكرون “أبدا” في الاستقرار في أمريكا.
العبارتان تحملان نفس المعلومة لكن الرسالة تختلف تماما كما هو واضح ، وما لم نكن حذرين في التعامل مع الإعلام ورسائله الخفية فإن عقولنا ستكون عرضة للحرف والميل حتى مع وجود الأرقام والإحصاءات. 
وعودا إلى الاستطلاع البسيط هذا ، نرى الدراسات المتعلقة بالطلاب الدوليين في أمريكا غنية وكثيرة جدا، وما تزال الأسئلة العالقة كثيرة جدا حول قضايا الطلاب السعوديين في بلاد الابتعاث، وهذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة ويجب أن نتعامل معها بشفافية لنعرف ما هو الواقع وكيف يفكر هذا الجيل والجيل القادم. أقول هذا لأنني لا ادري ماهي إجابة السؤال السابق .. ولا يمكن أن يكون هناك إجابة مرضية ما لم تكن هناك دراسات وأبحاث تقرأ مسوغات من يفكر في قرار الهجرة.
وهذا الاستطلاع لا أعده إلا إجابة - ربما تكون غير دقيقة - على فضول شخصي بحت قد يقود المهتمين والمختصين إلى إجابات أكثر وضوحا وتفسيرات للظواهر المتعلقة بالطلاب والابتعاث وأفكار الهجرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١)
(٢)  
(٣)
International Students and Scholars in the United States: Coming from Abroad*
By Heike C. Alberts, Helen D. Hazen

تعليقات

ضع بريدك هنا ليصلك ما ينشر في هذه المدونة من وقت لآخر..

* indicates required

الأكثر قراءة