هل الكم الهائل من الأبحاث عائق أمام تعريب الطب ؟

تتكرر كثيرا هذه الفكرة وتصاغ بطرق مختلفة وخلاصتها : أن الكم الهائل من الدراسات والأبحاث التي صدرت في الماضي والتي تصدر كل يوم تجعل تعريب الطب أمرا مستحيلا ، وأن التعريب إذا حصل سيجعل القاريء العربي محصورا بالكتب والدراسات المعربة فقط ، فينتج لنا أطباء متأخرين علميا . وهذه الفكرة تقوم على افتراضين خاطئين كما أرى ، الأول : أننافعلا بحاجة لتعريب كل الدراسات والأبحاث الصادرة كل يوم ، والثاني : أن تعريب الطب يقتضي أن يكون الطبيب جاهلا باللغة الإنجليزية وعاجزا عن القراءة بها . 

ويكمن خطأ الافتراض الأول في أن كثير من الدراسات والأبحاث الصادرة بشكل يومي لا تحمل من القيمة العلمية الكبيرة التي تجعل تعريبها أو قراءتها حاجة ضرورية أو حتى كمالية . ومعظم الدراسات والأبحاث المختبرية أو السريرية الصادرة بشكل يومي لا تؤثر في أسلوب التعامل مع المريض ولا في طريقة العلاج . ويؤكد هذا أننا نجد الأطباء في كل تخصص يركزون على كتب معينة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة أو مواقع إلكترونية معينة ، وتكون قراءتهم للدراسات والأبحاث - إذا قرأوها -على الهامش أو ما تضيفه هذه المواقع من مستجدات بين سنة وأخرى . فالطب وإن كان سريع ومتغير والمستجدات فيه لا تنقطع إلا أن التحول الجذري في التعامل مع المريض لا يكون “ بين غمضة عين وانتبهاتها “ . ولا أدري حقيقة لماذا يتوهم البعض هذا التوهم -وخصوصا إن كان من الأطباء -، ولو تأمل أحدهم قليلا لرأى أن القلة القلية فقط هي من تهتم بمتابعة الأبحاث والدراسات ، وهؤلاء المتابعون غالبا هم من أصحاب التخصصات الدقيقة ومن تجاوزا سنوات التدريب وأصبحوا في مقام المرجعية في تخصصاتهم . 



مما قرأت واطلعت عليه من المؤلفات والمؤتمرات حول التعريب أجد دعوة عامة إلى ضرورة إتقان الطبيب - أو طالب العلوم عموما - للغة أخرى ، ليكون قادرا على التواصل مع العالم : تحدثا وقراءة وكتابة . وتأتي بعضها بهذا اللفظ “ لابد من إتقان لغة أجنبية واحدة على الأقل “ ، وهي وإن كانت تؤكد على عدم التلازم بين التعريب وبين الجهل باللغات ، إلا إنها عابرة عجيبة غريبة ، “ فاللغة الأجنبية “ قد تكون لغة الهوسا أو الإنجليزية وكلاهما لغتان أجنبيتان ، وربما صعب على من صاغ هذه القرارات أن يعين لغة بعينها فاختار هذه العبارة العامة . 
وكان هذا ما قرره أ.د مصباح الحاج عيسى في دراسة أجراها في جامعة عجمان :  “ يجب أن نفرق بشكل قاطع بين أهمية اكتساب لغة أجنبية واحدة أو أكثر ، والتي لا خلاف على أهميتها في أي مكان من العالم ، وبين أن نستبدل اللغة الأم بلغة أجنبية نستخدمها في التدريس في جميع مراحل التعليم ومنها التدريس في الجامعات والمعاهد العليا “ . 
وكما جاء في مجلة مجمع اللغة العربية : “ إن الدعوة إلى استخدام اللغة العربية في التعليم العالي لا تعني أبدًا إهمال اللغةالأجنبية أو التقليل من شأنها، بل هي مقترنة دومًا بالدعوة إلى وجوب إتقان لغة أجنبية واحدة على الأقل لاتخاذها أساسًافي استمرار الاتصال بالتطور العلمي العالمي، والتمكن من إكمال الدراسة والتخصص، ونشر البحوث العلمية فيالمجلات والدوريات العلمية العالمية. “ العدد ٩٩ ص ١٣ . ولسنا بحاجة إلى إيراد أمثلة أكثر لإثبات ذلك لأنها فكرة متواترة عند كل من يدعو للتعريب من أفراد أو مؤسسات .

تعليقات

ضع بريدك هنا ليصلك ما ينشر في هذه المدونة من وقت لآخر..

* indicates required

الأكثر قراءة