الفتى ota benga: من قصص الحضارة الجديدة.









أجيال تتعاقب من أبنائنا ممن تفتحت أعينهم وآذنهم على الحياة هم يرون ويسمعون حديث السياسي الغربي عن الحضارة وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات والشعارات الكبيرة الأخرى إن كان فيها كثير حق ففيها كثير من الباطل . وذلك لأننا جيل محاصر بهذه الدعاية الضخمة التي تصور لنا القوة الاستعمارية المتوحشة كحمل وديع همه حماية البشر وحقوقهم من الضياع. قصة هذا الفتى الأفريقي محدد الأسنان لا تعبر عن وحشية أفراد بل وحشية حضارة قامت على القمع والظلم والبطش. فما هي قصة هذا الفتى ؟! 


هذا الفتى نشأة في قبيلة من قبائل الأقزام البدائية في نائية من أفريقيا وهي اليوم ما يسمى بجمهورية الكونغو الحرة. عاش مع زوجته وطفلية حياة بسيطة حتى وصلت إليه بعثة أمريكية مدعومة من شركة تقوم بخطف الأفارقة من قراهم وبيوتهم البسيطة وبيعهم في أسواق أمريكا كرقيق ومستعبدين لخدمة الرجل الأبيض. 

عاد هذا الأفريقي البسيط إلى قريته فوجدها قد دمرت وقتل كل من فيها . ففقد قريته ، وقبيلته ، وزوجته وطفليه ، ثم رغما عنه أخذ إلى أمريكا !

في تلك الفترة كان علماء الأحياء والأطباء مولعين بالبحث عن أدلة مادية لإثبات نظرية التطور والبحث عن الكائن المفقود في سلسة التطور بين الإنسان والقرد. وقد كتب أحدهم : “ قبائل الأقزام يتشاركون مع القرود في صفات كثيرة “. وبما أن هذا الفتى من الأقزام فقد وضع في حديقة حيوان ووضع في قفص مع قرد من فصيلة الغوريلا وكتب أمام القفص : “ قزم أفريقي طوله ٤ أقدام ، ويزن ١٠٣ باوند . أحضر من منطقة نهر كاسي من الكونغو الحرة . أحضره الدكتور صاموئيل فرنر . يُعرض ظهر كل يوم في شهر سبتمبر “. وحين ظهرت بعض المعارضة في الصحف الأمريكية على هذا التصرف ، كتب أحد علماء الأحياء يسخر من هؤلاء الذين يطالبون بمعاملة إنسانية لهذا الأفريقي ، وزعم أن حياته في القفص ستكون أكثر أنسا له من حياته في المدرسة أو الجامعة لأنه خُلق ليكون هكذا .

وكتبت صحيفة التايمز أن عدد الزوار لحديقة القرود بلغ ٤٠٠٠٠ زائر كلهم يرغبون رؤية هذا الكائن الأفريقي المتوحش الذي أحضر من أفريقيا. كان الزوار يجتمعون حوله يرمونه ويغيضونه ويسخرون منه ، وبسبب طبيعته القروية البسيطة كان لطيفا مع الناس في البداية لكنه شعر أنه في عالم لا يقدر الإنسان فبدأ بقذفهم بالحجارة وبالأسهم التي أعطيت له لتكون جزء من وسيلة الجذب للزوار . 

عندما بدا الفتى عنيفا مع زوار حديقة الحيوان التي كان فيها ، قررت إدارة الحديقة إخراجه منها. وقامت بعض منظمات السود في نيويورك بمحاولات عديدة لإعادة الفتى إلى قريته وبساطتها لكنها فشلت. لكنها استطاعت أن تسجله في أحد المدارس في فيرجينا. بدأ الفتى - الذي اعتبره بعض العلماء قردا- بتعلم اللغة الإنجليزية وأصبح قادرا على التواصل وحينها فضل أن ينتقل للعمل في مصنع قريب لإنتاج التبغ وعاش محبوبا للناس من حوله ويأتيه أطفال المنقطة ليعلمهم صيد الأسماك والرمي بالسهام. وكل مرة يرجو من حوله باكيا بأن يعيدوه إلى قريته لكن يلقى حوله قلوبا كالصخر ، وما قيمة مشاعر هذا الأفريقي الأسود ؟! 

رغم كل هذا كان لديه بقية أمل أن يرى دياره وقريته والغابات التي عرف أسراره ، ويحلم بها كل يوم . لكنه حين علم أن الحرب العالمية بدأت وأن طريق العودة إلى الكونغو مستحيلة أصيب باكتئاب قاس وحاد قضى على كل آماله . وفي عام ١٩١٦ وجد المسدس طريقا إلى يده ، فأطلق على رأسه منتحرا منهيا حياة قاسيا، لاعنا هذه الحضارة التي لم يعرف منها إلا التوحش والعبث بالإنسان والمسدس الذي قتله . 


القصة باختصار من كتاب : 

Medical Apartheid 

تعليقات

ضع بريدك هنا ليصلك ما ينشر في هذه المدونة من وقت لآخر..

* indicates required

الأكثر قراءة