رحلتي الى الآسكا - ٢
لم يسبق أن كتبت بهذه الطريقة.. أعني طريقة سرد الأحداث متعاقبة متتالية. لكنني سأجرب هذه المرة لأجل التجربة ولأجل أنني أشعر أنني بحاجة ماسة للكتابة. دعني أحكي لك ماذا حصل: استوعبت وأنا أمام موظف أمن المطار أنني نسيت رخصة القيادة، ورخصة القيادة هي بمثابة بطاقة الهوية في أمريكا لكنني احتياطا كنت قد أخذت جواز السفر. ناولت الموظف وأنا أفكر كيف يمكن أستأجر سيارة إذا وصلت لوجهتي؟. خطر في بالي العودة للبيت لكن الرحلة أوشكت على الاقلاع.. المنطق يقول استمر في الطريق متمثلا بقول الشاعر: ” إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا .. أو تنزلون فإنا معشر نُزلُ!“
نفضت محفظتي سبع مرات إحداهن بالتراب ولم تظهر رخصة القيادة. وجدت بين بطاقاتي مخطوطات وعملات قديمة لكنني لم أجد الرخصة. انتهى الأمر وركبت الطائرة وفي ذهني صوت ”علي خلوفة“ وهو يصفني بالغفلة وأخذ الأمور بسهولة، وقد كنا: أنا وعلي وعمار الحداد الليلة التي قبلها قد عقدنا القمة الأسبوعية في فيرجينيا لحل مشاكل الأنظمة الصحية في العالم وتقديم حلول لمشكلات العصر الحديث والاحتباس الحراري. بعثت لعلي رسالة وأنا في الطائرة أخبره ساخرا أنني نسيت الرخصة فرد علي بأيموجي ”تعبير“ واضعا يده على رأسه، ويبدو أنه لم يجد ما يقول من هول الفاجعة !
رافقني في الطريق كتاب قراءة القراءة للحمود وهو كتاب خفيف لطيف أعارني إياه الصديق الجميل عبدالرحمن الوشلي فما تركته حتى فرغت منه. وقد عودت نفسي عادة في كل رحلة طويلة أن آخذ كتابا فلا أدعه حتى أفرغ منه وهو عمل يزيد عندي هرمون السيروتونين بشكل كبير!
هذه سماء الآسكا كما تراها في منتصف شهر أغسطس. تبدو بيضاء ممتدة تحيط بها هيبة طاغية. اقتربنا من الأرض نحو مطار مدينة أنكوريج. وكلما اقتربنا أكثر عادت إلى ذهني ”رخصة القيادة“ وكيف يمكن أن أقضي أيامي في هذه الأرض الخالية بلا سيارة. في المدن الأمريكية الصغيرة تصبح السيارة أمرا لابد منه ولايمكن الاستغناء عنها بوسائل النقل العام، ومع إلحاح الفكرة ظهرت الخطة ”ب“. والخطة ”ب“ هي أنني دائما احتفظ بنسخ إلكترونية للوثائق المهمة في مجلد على جهاز الكمبيوتر. وهذا في الحقيقة ما حصل. عرضت على الموظفة صورة الرخصة فاعطتني مفتاح السيارة. سهل الله عليها في الدنيا والآخرة.
وإن كنت ترجو أن تخرج بفائدة من هذه التدوينة فاجعلها في نسخ كل ملفاتك المهمة كنسخ إلكترونية في مكان آمن فقد تحتاجها يوما ما.
قبل هذا كان من إجراءات ولاية آلاسكا للحد من فيروس كرونا هو إلزام كل القادمين إليها بإجراء مسحة قبل السفر بمدة لا تزيد عن ٧٢ ساعة وتحميل نتيجة الفحص على موقع مخصص لهذا الغرض. كانت فكرة جميلة جدا لكن النتيجة لم تكن جميلة أبدا لأن الناس تكدست لا تدري ماذا تفعل ، والحمد لله لم أضطر للانتظار لأنني كنت قد أنهيت كل هذه الاجراءات قبل السفر.
مدينة أنكوريج:
عدد سكان المدينة بحسب ويكبيديا أكثر من ٢٠٠ ألف. فيها مسجدان وعدة مطاعم للمسلمين. ومن عادتي في أي مدينة أزورها أبادر إلى مسجدها وذلك لأن أهل المسجد يختصرون عليك الكثير من الأشياء ويجيبون على كل تساؤلاتك بناء على خبرة ومعايشة. كل هذا بلا تفضل عليك ولا منة ولا أذى. يدلك أهل المسجد على أماكن تستحق الزيارة وأماكن لا تستحق الزيارة، تسمع قصة ويروي لك أحدهم خبرا عابرا، تظفر بصديق .. إلخ. والمسجد كذلك ملجأ أرواحنا في كل أرض وفي كل بقعة. المهم توجهت إلى مسجد الرشيد فوجدته مغلقا بسبب كروونا. فاتجهت إلى المسجد الكبير كذلك فوجدته مغلق..
المركز الإسلامي من الخارج ويبدو وكأنه مركز ختبة الصحي :) |
عدت أسحب اذيال الخيبة..وأنا الآن أتهاوى أمام بطش النوم.. و ” إنما العيش لمن أغمض عينيه فناما! ”
تصبحون على خير..
الثالث من محرم ١٤٤٢ هـ .
آلاسكا
جميييل ابا عبدالله
ردحذفننتظر البقية بشغف