رحلتي إلى آلاسكا - ٥


صليت الفجر فتنفس الصباح وتنفست قهوتي الأولى. وفتحت شنطتي فوجدت الهيل وإبريق القهوة ولم أجد بن القهوة العربية فسخرت من نفسي مرة أخرى. جلست على الكمبيوتر الساعة السابعة والنصف تقريبا وأغلقته الساعة الحادية عشر والنصف تقريبا بعد أن سلمت الورقة إلى الدكتور ويكليكس. ولعلي أتحدث عن ويكليكس في قابل الأيام إذا مد الله في الأعمار. مررت على مطعم لا يؤبه له في زاوية من المدينة فأفطرت ثم توجهت إلى الجبل. 


جبل القمة المسطحة من بعيد. ويبدو كأحد جبالنا الجميلة


الطريق يبدو سهلا وممهدا لكن يزداد صعوبة شيئا فشيئا. هون على الأمر أنني أرى أطفالا صغارا عائدين من جهة القمة في رفقة والديهم. أكملت المسير فزاد الجبل حدة والطريق ارتفاعا. الناس هنا يصعدون بأطفالهم هذا الجبل ولا أظنني أتجرأ على فعل ذلك، أعني الصعود بأبنائي إلى قمة هذا الجبل. كدت أن أتوقف أكثر من مرة وأعود من حيث أتيت لكن القروي الجبلي الذي بداخلي كان يدفعني للاستمرار. الجبل خطير جدا خصوصا على الصغار وكبار السن ولا أفهم جرأة الأمريكان على الصعود بأطفالهم إلى هذا المكان. رأيت أطفالا على القمة لا يتجاوزن الخامسة. إحدى النساء انزلقت من على السلم وألتوى كاحلها فسقطت وهي تحمل رضيعا على ظهرها. سَلِمَ الرضيعُ وسلمتْ فيما يبدو. غادرتهما وهي تبكي ومعهما رجل قد يكون زوجها. 

على حافة الجبل اختار البعض التقاط التوت البري. لم أكن أدري ماذا يفعلون فسألتهم فأعطاني أحدهم بعضا منه. 

عائلة تجمع التوت

حبات من التوت البري هدية من هذه العائلة، وتأمل الاتقان في التصوير :)


الطريق إلى القمة بين مسارات مهيأة وسلالم خشبية قديمة وفي النهاية صخور بلا معالم واضحة. 


سلالم قديمة قد يكون أحيانا ضررها أكثر من نفعها. لسهولة الانزلاق عليه إلى الفضاء الفسيح

قبيل القمة



صورة من القمة وتظهر المدينة ثم المحيط الهاديء 



وصلت للقمة وقضيت عليها ماشاء الله ثم اخذت طريقا نازلا. سمعت ثناء من أحدهم لطريقتي في النزول فتحمست فيما يبدو وتشجعت فأسرعت فشققت كفي وأنا أنزلق من على الصخور. ولأن الدورة الدموية في جهد عال بسبب الحركة والجهد لم يتوقف الدم عن النزيف ببطء، حتى ضغطت بكفي على صدري فوق مستوي القلب. ثم بقيت رافعا كفي طوال الطريق حتى وصلت للأرض. هذا بعض ما يمكن فعله خصوصا مع الجروح البسيطة في الأطراف: رفع الطرف فوق مستوى القلب والضغط على المكان. 


النهر يبعد تقريبا ٣٠ دقيقة مشيا من أسفل الجبل


وصلت للأرض المستوية فأخذت المسار المتجه للنهر. وهو مسار جميل ولطيف كذلك. ولكن النهر أجمل من كل هذا. توضأت منه فصليت العصر والمغرب وبعثت لأمي توثيقا للمكان وأخبرتها أنني صليت العصر والمغرب هنا لأنني أعلم أنه سيسرها. ثم اتجهت صوب محل من محلات الحلال التي وجدت على الخريطة واسمه مركز سلام للحلال، ومرة أخرى يقابلني الصوماليون الجميلون. وما إن دلفت حتى وقعت قعت عيني مباشرة على أكياس بنية خلف الرجل فكانت قهوة عربية قادمة من جدة كما يقول الرجل فكانت غنيمة ما حسبت حسابها. 

مدخل المحل


جارتنا إن غريبان هاهنا.. ولم تكن الجارة ذات جودة عالية


صاحب المحل منشرح الخاطر منطلق الحديث فبادرته فسألته عن المنطقة وعن السؤال السابق: لماذا الصوماليون هنا؟. قال لي: أن الحكومة الأمريكية فتحت باب الهجرة إلى آلاسكا تحديدا لجنسيات أفريقية منها الصومال والسودان. ونحن نتحدث دخل حسن السوداني الذي قدم من دارفور فأكد ما يقول صاحبنا. يعمل معظم هؤلاء في شركات الزيت وشركات الصيد أو في شركات التكسي. وبسبب صعوبة الجو تدفع الشركات أحيانا إلى حدود ٤٥ دولار في الساعة للعمال وهذا مبلغ كبير جدا.  والصوماليون يبادرون في الأعمال التجارية ومحلات الحلال. يقول لي: أنه في غاية السعادة في هذه الولاية وأنه أكثر يكون سعادة عندما يأتي الشتاء. جرب حرارة صيف الصومال وحرارة صيف جدة التي عاش فيها سنوات طويلة لكنه الآن لايريد بهذه الأرض بدلا كما يقول. أصبح يحب الشتاء أكثر من الصيف. درجة الحرارة في الشتاء تصل إلى ٣٠ تحت الصفر لكنه يقول إنها محتملة وسهل التعايش معها، وأصدق هذا لأن درجة الحرارة كانت تنخفض جدا في شيكاغو وفي غرب فيرجينيا لكنها تحتمل ما دام لك بيت يؤيك وسيارة تحملك. من الطريف أنه يقول أن الناس القادمين من المناطق الأشد برودة وذكر تحديدا مدينة فيربانك يتسغربون لماذا يلبس الناس في انكوريج كل هذه الطبقات وبعضهم يطلب تخفيض درجة حرارة المكيف الدافيء في السيارة لأنه الحر لا يُحتمل -ونحن هنا ما زلنا نتحدت عن درجة حرارة ثلاثين تحت الصفر-. يمكن فهم هذا لأن درجة الحرارة في تلك المناطق تصل إلى ٦٠ تحت الصفر

أتيت هنا للفصل الأشد طرافة - بالنسبة لي - وهو أنني عرفت من خلال حديثي مع الناس هنا في المحل أن في المدينة شاب خليجي مستقر هنا من سنوات ويعمل في التجارة وله محلات تجارية. رغبت في الحديث مع الشاب الخليجي ولكن لا أحد من الموجودين يعرف طريقة للتواصل معه. وحين هممت بالخروج دخل أحدهم فسمع النقاش فأعطاني رقم أحد العاملين مع الشاب الخليجي. أخذت الرقم وانصرفت .


٥ محرم ١٤٤٢ هـ  






تعليقات

ضع بريدك هنا ليصلك ما ينشر في هذه المدونة من وقت لآخر..

* indicates required

الأكثر قراءة