عدنا والعود أحمد ..

 


عدت: والعود غريب ومفاجيء. غارق في سيل من المقارنات التي لاتنتهي بين وبين. تشغلني فكرة غياب الوضوح في عالمي الجديد القديم. داهمتني الفكرة أول ما داهمتني وأنا أسير مع والدي بين ردهات المستشفى التخصصي في اليوم الذي تبع وصولي للرياض. أنا هنا أصف ولا أحاول أن أسجل ملاحظات سلبية فأرجو أن تتنبه لهذا وأنت تقرأ: الموظفون مشغولون بغيرك. الإجابات على اسئلتك إجابات غامضة وأحيانا كثيرة بلا فائدة. تسأل مثلا: أين موقع العيادة التي ينبغي أن نذهب إليها. فيشير بسبابته: هناك! .. أذهب إلى هناك فأجد أمامي عددا لا منتهيا من العيادات. اسألها: أين قسم الاشعة الذي تبعثينني لها الآن؟ تقول: تحت!. أقول: أين تحت؟. تقول: الدور الأول!. أذهب للدور الأول فأجد عددا لا ينتهي من الغرف والاتجاهات. أصل لما كُتب عليه قسم الأشعة، فيقال لي: أشعتك هذه لا تُصور هنا، بل تُؤخذ في مركز القلب. أقول: وأين مركز القلب؟. فيقولون: هناك مع اشارة غامضة بالسبابة نحو الشمال!.

 أعود لجامعتي الكريمة للانضمام إليها من جديد فيقابلني الترحيب والتحيات الكريمات لكنني أدخل في سلسة من الأسئلة التي ليس لها إجابات سهلة. وأحيانا - بلا مبالغة - تأتيك إجابات خاطئة وشروط متناقلة لأنظمة غير موجودة! 

كأن من أمامك يفترض أنك خبير وعارف بما أنت مقدم عليه وإن كنت أظن أن العكس هو ما ينبغي أن يكون عليه الحال. أعني أن يفترض مقدم الخدمة أنك بحاجة لتوضيح لكل خطوة. 

ذهبت اليوم لتسجيل ابنائي في المدرسة. موظف القبول والتسجيل لايعلم أو لم يستطع أن يشرح مالذي أحتاجه لتسجيل ابنائي. كان يشرح لي الاجراءات بطريقة سريعة وغير منتظمة. اتجهت إلى المعلم المسؤول عن نظام تسجيل الطلاب الموحد، فوقع في نفس الخطأ. هذه معاناة يومية بالنسبة لي هذه الأيام: في المحطة، البنك، الجامعة، …. إلخ. 

هذه الحالة من عدم الوضوح لدينا نبهني لها زائر من استراليا قابلته صدفة قبل سنوات على طريق الملك عبدالله في الرياض. سألني: أين مطعم المأكولات البحرية الشهير من هذا الشارع؟. قلت: هناك! قريب. وأشرت بيدي نحو الفضاء. قال لي ضاحكا: اجابتك هذه لاتعني شيئا. قل لي: ماذا تعني هناك وقريب. واشارتك الغامضة نحو الفضاء. لاشيء. قل مثلا: ١٠٠ م أو ٢٠٠ م أو إجابة قريبة من هاتين. كان نقاشا ابتدأ بهذه الطريقة ولم ينته إلا بعد ساعة. كان رجلا لطيفا لكنه ثرثار من الصنف العالي. 

الأمريكان على النقيض من هذا. كنت أقول: ألا يمل هؤلاء من التطويل والحديث الذي لا ينتهي. تدخل العيادة فيستقبلك الموظفون والممرضون بقائمة من الأشياء التي أنت مقدم عليها، مثلا: 

  • سنأخذ معلوماتك الآن 
  • ثم تنتظر قليلا حتى ننادي عليك 
  • وبعد النداء سوف يتولى الممرض أخذ علاماتك الحيوية وطولك وعرضك. 

يقال لك هذا الكلام ويُعاد عليك. وتُعطاه مكتوبا كذلك حتى يتأكد من أمامك أنك فهمت أو تفهم. وإذا خرجت من العيادة تكرر عليك السؤال: هل لديك أسئلة أخرى؟ فتقول: لا، خلاااص. 

 ولا تسأل عن الحال إذا قدمت للعمل إلى وظيفة جديدة: يعطونك قائمة بما يجب أن تفعله قبل الحضور وعند الحضور. وموقع المكتب الذي تصل إليه عند القدوم على الخريطة، ورقم هاتف الموظف الذي تتصل عليه فيعيد عليك ما كُتب في البريد الإلكتروني وأما أرسل إليك على بريد منزلك. فإذا وصلت قيل لك: تحتاج الخطوات التالية: واحد، اثنين ، ثلاثة … إلخ. ولو تأخرت عن فعل شيء من هذه الأشياء: لاحقك السكرتير ليلا ونهارا حتى تنجزها. وأنت هنا تلاحق السكرتير لعله يجيب على البريد الذي بعثته له قبل أسبوع. تتصل على الرقم الموجود في الخرائط فلا يرد أحد. تتصل على الرقم الموحد فتُترك للرد الآلي. تصل أحيانا للمكان الذي تريد فتجده قد أُغلق. ثم إذا استنكرت أن يحصل مثل هذا، استنكرك الناس. وإنا لله وانا إليه راجعون. 

أقول هذا الكلام وعليه قليل من ملح، طبيعة الكاتب حينما يكتب، والطباخ حينما يغفل أحيانا فينسى المقادير. وفي كل حال: هو أمر ملحوظ كثيف. يقابله صور من التنظيم جميلة ونادرة كما حصل أمس حين أخذت الجرعة الثالثة المضادة للفيروس الرهيب. كان عدد المنتظرين مرعبا ومؤذنا بيوم طويل، لكنني خرجت سريعا في أقل من صفحتين من الكتاب الذي كنت اقرأ.

تعليقات

ضع بريدك هنا ليصلك ما ينشر في هذه المدونة من وقت لآخر..

* indicates required

الأكثر قراءة